الجمعة، 30 مارس 2012

قصة الشوكولاته

من ذكرياتي مع جدي الشيخ "علي الطنطاوي"
هذا فصل من مسرحيّة حدثت على مسرح الحياة.. كان جدّي فيها بطلاً من الأبطال علمني من خلالها درساً عظيماً من خلال قطعة شوكولاه.. و إليكم هذا الفصل المقتطع من المسرحيّة لما فيه من عبرة و عظات و طريقة مُثلى في النصح و الإرشاد:

في إحدى الاجتماعات العائلية و في بيت كنّا نتخذه للصيفيّة كان يجتمع الأولاد , صبيان و بنات و كان جدّي يتخذ لنا كل أسباب الترفيه المباح , و لكنّه لا ينسى خلال ذلك توجيهنا من خلال ما يطرأ من أحوال .. و في إحدى المرّات أحضر ألواحاً من الشوكولاه الكبيرة و كان يأتي بها من لبنان ثمّ قطّعها و جاء يوزعها علينا بنفسه و كان أول من بدأ به أنا .. فاسترعى انتباهي اختلاف الأحجام و بشكل كبير فقطع كبيرة و أخرى متوسطة و غيرها صغيرة جداً وهو من عادته العدل فلماذا لم يعدل الآن؟ و أنا أحبّ الشوكولاتة و إذا تركت القطعة الكبيرة سيأخذها فلان-من أولاد خالتي-و أنا لا أريده أن يأخذها .. ثم يقضي الوقت وهو يعيرنا بأنه قد استأثر بها .. كما أنني أحبها و أريدها فلآخذها و ما دام هو قطعها بهذا الشكل فإن عليه الوزر .. و عندما لمحته ينظر إلى جهة أخرى يبحث عمّن يذهب إليه بعدي اغتنمت الفرصة و أخذت أكبر قطعة .. لكن لم تكن لتفته تلك الفعلة , فقد فعلها قصدا .. فمضى وهو ينظر إليّ نظرة ذات مغزى وهو يقول لي: لقد استأثرت لنفسك بأكبر قطعة .. و قد كانت هذه الكلمات تكفيني لكي لا أقضم منها أي قضمة .. بل لقد استحييت و خجلت من تلك الفعلة .. بل لقد عافت نفسي تلك الأكلة .. و جريت إلى الشرفة اتوارى عن الناس و عن جدّي بالذات و أنا أتسأل ماذا سيقول عنّي الآن .. أنانيّة أفضل الذات و لكنني لم أكن كذلك فلماذا فعلت ذلك أمامه .. ليتني أخذت أصغر قطعة لكنت أكلتها بلذّة.. و جرت دموعي بكثرة .. ثم فجأة فُتح الباب و دخل جدّي قائلاً: كنت أعلم بأنني سأجدك هنا و كنت أعلم بأنك لن تأكلي القطعة فأنا أعرفك تمام المعرفة أنت حسّاسة و خجولة و كانت تكفيك نظرة لتفهمي و ربما لو كان أحد غيرك لأكل القطعة تاركاً الكلمات جانباً فلذّة القطعة الكبيرة أجمل و قد يقول في نفسه سوف ينسى جدّي هذا الموقف بعد دقائق أو حتى أيّام و ما الضير في ذلك , أمّا أنت فكما عرفتك مرهفة الإحساس تفهمين المراد من نظرة و كنت أشيح بوجهي عنه في استحياء , لكنه اقترب قائلاً كلميني فلقد علّمتك و الجميع بأن لا نستحي و نكون صريحين..
- نعم يا جدّي أنا مخطئة باختياري أكبر قطعة و لكنك أخطأت أيضا ؟ و يجيب: كيف؟
- لقد أخطأت بتقطيعك للشوكولاتة بهذه الطريقة و كان عليك أن تقطعها بشكل متساوٍ..
- نعم أنت محقة يا ابنتي .. و لكنني أردت أن أعلمكم درساً عندما قطعتها بهذه الطريقة .. و أتساءل كيف؟ فيقول: انظري من النافذة هنا على اليمين , أترين هذا القصر الكبير ؟ .. أجيب باستغراب نعم أراه !! فيكمل: هل عندك مثله؟ ... أجيب: لا! ثم يدور إلى الناحية الأخرى قائلاً: أترين تلك الدور الصغيرة المعمرة من الطين؟ .. و باستغراب أسأل ماذا تقصد يا جدّي؟؟
أقصد بأن الله لا يعطينا كل شيء في الحياة بقسمة عادلة و هذا امتحان منه..
امتحان للغني هل ينفق على الفقراء و هل يحمد الله!! و امتحان للفقير هل يصبر على الفقر و يحمد الله!! .. هل الناس متساوون في الصحة , بعضهم أعمى و بعضهم مشلول و بعضهم لم يرزق الأطفال و .. و .. و .. لا يتساوون في الشكل بعضهم جميل و بعضهم قبيح .. و كثير كثير من هذه الأمور كالذكاء و الامتحان بالبلاء و غيرها.. فالحياة ليس فيها قسمة عادلة و ربما يمرّ الزمان و تتزوجين أنت و أخواتك فتعيش واحدة في قصر مثل هذا و تعيش الأخرى في بيت صغير مع رجل فقير و لكن علينا أن لا ننسى الآخرين و أنتِ صدقاً لم تكوني يوماً أنانية و إلاّ لكنتِ الآن قد أكلتِ القطعة ونسيتِ القصة و ذهبتِ تلعبين و لما كنت كلّمتك تلك الكلمات و لكن لأنني عرفتُ فيك الطيبة و الإيثار أردت أن أنبهك إلى الاحتفاظ بطبعك الأصيل.. و أخيراً قلت: جدّي أنت رائع , و أنا لا أريد هذه القطعة أرجوك خذها.. 
فيجيب:كلاّ إنّها نصيبك ويجب أن تأكليها كلّها و أنت تضحكين و لا أريد أن يعرفَ أحدٌ بهذه القصة.. و في المساء عندما حضرت كؤوس العصير كانت يدي تمتد إلى أقلّها .. عندما نظر إليّ جدّي و ضحكنا معاً ضحكة هادئة .. و كان درساً لن أنساه فمن يومها و أنا آخذ من الأشياء أقلّها..

آسفة للاطالة لكن كان يجب أن تنشر القصة كاملة .. وبالمناسبة .. كبرت وأنا من الأشخاص القلائل الذين لا يحبون الشكولاته ابدا .. ولا أدري إن كان لهذه القصة تأثير علي !!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق